السودان بلا حماية إنسانية.. طعنات للحقوق وأحلام مستعصية في ممرات آمنة
السودان بلا حماية إنسانية.. طعنات للحقوق وأحلام مستعصية في ممرات آمنة
يعاني الشعب السوداني، بلا حماية إنسانية أو مساندة حقوقية دولية أو إفريقية، تحت وطأة النيران والقتل وتجنيد الأطفال والاغتصاب للنساء والفتيات لمدة تصل إلى عامين، وسط مناشدات أممية ودولية لإبرام هدنة طوال شهر رمضان المقبل لإنقاذ إنساني سريع للمتضررين.
ووفق حقوقيات سودانيات تحدثن لـ"جسور بوست"، فإن البلد العربي المأزوم يقبع بين شقي رحى حرب تسحق حقوق مواطنيها، لا سيما في ظل عدم وجود حماية إنسانية أو مساعدات كافية منذ بداية الحرب في 2023.
وحذر نائب مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، إدمور توندلانا، من أن "الوضع في السودان يزداد سوءا يوما بعد يوم"، مضيفا أن السودان يعد من أعلى الاحتياجات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج حوالي 30 مليون شخص إلى مساعدة إنسانية.
وأوضح توندلانا لمنصة أخبار الأمم المتحدة، أن السودان لديه في الواقع أعلى عدد من النازحين، وهو ما يقرب من 9 ملايين شخص فروا من منازلهم حتى هذه اللحظة، وهو ما يضيف إلى ما بين مليونين و3 ملايين آخرين نزحوا بالفعل قبل ذلك، أي أن حوالي ربع السكان، أو 12 مليونا لم يعودوا في منازلهم.
أزمة حماية
وتابع: "نحن نطلق على ما يحدث أيضا أزمة حماية بسبب الثمن الباهظ الذي يتعين على الناس دفعه مقابل ذلك. هناك تصاعد في الهجمات على عامة السكان على نطاق واسع؛ بما في ذلك الهجمات على المرافق الصحية والبنية الأساسية المدنية وما إلى ذلك. باختصار، أود أن أقول إن الوضع مزرٍ بالفعل ولا يبدو جيدا. الصراع مستمر، ويستمر نزوح الناس".
ووفق تقرير أممي في ديسمبر الماضي، فإن المجاعة تفشت في 5 مناطق على الأقل ومن المتوقع أن تواجه 5 مناطق إضافية المجاعة بسبب تفاقم أوضاع القتال المستمر في تلك المناطق بما فيها مناطق في ولايات دارفور وكردفان والجزيرة.
وأضاف توندلانا تعليقا على التقرير: "لم نتمكن من الوصول إلى الأشخاص الذين كان ينبغي لنا أن نوفر الاستجابة لهم بشكل فعال وكان حوالي 70 بالمئة من الأشخاص المتأثرين فعليا بالصراع بمن في ذلك النازحون داخليا، هم في الواقع من النساء والفتيات".
ودعا إلى توفير التمويل الإنساني اللازم وإطلاق النداء الإنساني للسودان لجمع 4.2 مليار دولار، قائلا: "إذا كان علينا الوصول إلى 21 مليون شخص يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، فإن كل ما نحتاج إليه هو شيء مثل 0.50 دولار للشخص الواحد في اليوم".
استغاثات دولية
وفي 6 فبراير الجاري، قالت المنسقة المقيمة ومنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمانتين نكويتا سلامي، إن ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق على شفا كارثة مع استمرار تصاعد العنف بمعدل ينذر بالخطر.
وأوضحت المسؤولة الأممية في بيان، أن انعدام الأمن المتفاقم يهدد بإغراق كلتا الولايتين في أزمة أعمق، مضيفة أنه لفترة طويلة، إذ تم عزل المدنيين عن المساعدات المنقذة للحياة والخدمات الأساسية بسبب النقص الشديد في الإمدادات الطبية، والوصول الإنساني المحدود والصراع المستمر.
وشددت سلامي، على أن "هذه لحظة حرجة، حيث بدأت بالفعل أجزاء من جنوب كردفان تشعر بعواقب انعدام الأمن الغذائي، إذ تعيش الأسر على إمدادات غذائية محدودة بشكل خطير، وترتفع معدلات سوء التغذية بصورة حادة".
وقالت إنه يجب على الأطراف أيضا السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول الآمن وغير المقيد إلى أولئك الذين هم في حاجة ماسة إلى المساعدة.
وفي 4 فبراير الجاري، أعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن قلقه العميق إزاء استمرار النزوح الجماعي للمدنيين من الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، نتيجة لتصاعد العنف منذ أبريل 2024.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن المنظمة الدولية للهجرة أفادت بأن أكثر من 600 ألف شخص فرّوا من الفاشر ومناطق أخرى في شمال دارفور خلال الأشهر العشرة الماضية بحثا عن الأمان.
وأوضح أن أكثر من 13 مليون شخص في السودان يحتاجون هذا العام إلى الدعم لمواجهة أخطار الذخائر غير المنفجرة، لكن التمويل المخصص لهذه الاستجابة لا يزال محدودا.
وكان مجلس الأمن الدولي أعرب في مطلع فبراير الجاري، عن قلقه العميق إزاء تصاعد العنف في السودان، بما في ذلك في مدينة الفاشر وما حولها، وحث جميع الدول على "الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يسعى إلى تأجيج الصراع وعدم الاستقرار، وبدلا من ذلك دعم الجهود المبذولة من أجل السلام الدائم".
والجمعة، دعا أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة من إثيوبيا خلال المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان" بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلى وقف تدفق الأسلحة إلى السودان قائلا "تجب حماية المدنيين وتسهيل الوصول الإنساني الآمن ووقف تدفق الأسلحة".
الحماية الإنسانية
وقالت المحامية والحقوقية السودانية، إقبال أحمد، إن "هناك أزمة حقيقية في الحماية في السودان وإن المواطنين يعيشون طوال العامين الماضيين بين المطرقة والسندان وشقي رحى الحرب الطاحنة التي تسحقهم".
وأضافت إقبال في تصريح لـ"جسور بوست": "كل طرف من أطراف النزاع يستهدف المدنيين التابعين لمنطقة نفوذ الطرف الآخر، ولذلك تنتشر أعمال القتل والاختطاف والتعذيب وبقر البطون والرمي في الأنهار والبحار والترعة والحفائر والسحل والاعتقال وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية".
وتابعت: "طرفا النزاع في السودان كلاهما لا يحمي المواطن ويقتل وينهب في ظل عدم تسليط الضوء على انتهاكات الطرفين، الأمر الذي يستدعي المجتمع الدولي لممارسة الضغوط على طرفي النزاع لإيقاف الحرب فورا وفتح ممرات آمنة عاجلا للسماح بدخول المساعدات الإنسانية".
وأشارت الناشطة السودانية إلى انعدام المواد الغذائية والعلاج وكل سبل الحياة وعدم توفير مظلة حماية للمدنيين، وعدم تقديم المنتهكين لمحاكمات دولية عاجلة لضمان عدم إفلاتهم من العقاب، وكذلك عدم محاسبة الدول والمؤسسات والشركات العالمية التي تمد طرفي النزاع بالسلاح".
وأكدت إقبال أحمد أهمية إبرام هدنة إنسانية في شهر رمضان في السودان، خاصة لتقديم المساعدات الإنسانية وتفادي أزمة غذائية كبيرة، مرجحة إمكانية التوصل لها خاصة أن طرفي النزاع مسلمون ومطالبون بتسهيل أداء الشعائر في الشهر الفضيل.
وشددت على أن الأولى من إبرام هدنة في شهر رمضان هو وقف الحرب من الأساس، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه خاصة أن طرفي الحرب في شهر رمضان لا يتورعان للأسف عن ضرب أماكن وجود المواطنين والأطفال الذين يكونون ضحايا أيضا في هذا الشهر.
تقصير أممي
وقالت هالة الكارب، المديرة الإقليمية لمبادرة نساء القرن الإفريقي (صيحة)، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن هناك أزمة حماية إنسانية في السودان بشكل واضح وإن استجابة الأمم المتحدة لا تتناسب مع حجم الأزمة الإنسانية الكارثية التي تواجه البلد العربي.
وأضافت الكارب، التي اختارتها هيئة بي بي سي البريطانية ضمن قائمة 100 امرأة الأكثر إلهامًا وتأثيرًا في العالم في 2024 أن "الأمم المتحدة حتى الآن لم تضع الأزمة في السودان في الأولويات، مستشهدة بتصريحات لصندوق الأمم للسكان والصحة الإنجابية UFPA بأنه لا يملك التمويل الكافي لتوفير الاستجابة والحماية للنساء والفتيات في السودان.
ولفتت إلى أن "هيئة اليونيسف لا تقدم الدعم الكافي والحماية لأكثر من 20 مليون طفل وطفلة في حاجة إلى الحماية، وبشكل عام فإن جهود الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في التفاوض والتشاور غاية في الضعف ولا تتسق مع حجم الكارثة في السودان".
أزمة إنسانية كبيرة
وأكدت الحقوقية السودانية ومديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة (هيئة حكومية)، سليمى إسحاق، أن هناك أزمة حماية إنسانية كبيرة في السودان، وأن الحماية الإنسانية مفقودة بشكل كبير، وهناك أزمة للوصول للمناطق المتأثرة والمتضررة جراء الحرب والمحتلة من جانب الدعم السريع.
وأشارت سليمى في تصريح لـ"جسور بوست"، إلى أن معظم السودانيين حاليا لا يستطيعون الوصول للخدمات ويتعرضون لمشاكل وانتهاكات يومية ولا محاسبة للمجرمين، وكأن هناك حالة فوضى يصعب السيطرة عليها.
وشددت سليمى على أن "الأزمة ليست في عدم وجود الموارد فقط في السودان ولكن في عدم القدرة على توزيع تلك الموارد بشكل آمن وسريع، الأمر الذي يستلزم ضرورة التحرك لإنقاذ السودان سريعا، في ظل الأوضاع الكارثية المهددة للسودانيين منذ بداية الحرب".
وأكدت أهمية التزام المجتمع الدولي بدعم عاجل وسريع للسودان، يتجاوز عقبات التمويل التي فاقمتها قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق المساعدات الخارجية لمدة 90 يوما منذ توليه الرئاسة في 20 يناير الماضي.